د. جاسم المطوع – هل أنت تعاقب أبنائك أم تأدبهم ؟ لأن الفرق كبير بين الإثنين وأكثر الناس لا يفرقون بين العقوبة والتأديب ، وفي الغالب هم يعاقبون ولا يأدبون ، فالعقاب هو ايقاع الجزاء على الطفل بعد ارتكاب الخطأ مباشرة ، وله أشكال وأنواع كثيرة قد تبدأ بالتهديد والوعيد وتنتهي بالضرب والحبس ، والعقوبة غالبا ما تكون سريعة وقصيرة وتنتهى بعد ارتكاب الخطأ مباشرة ، أما التأديب فهو عملية تربوية مستمرة طول العمر، وهو إما تقويم للسلوك بطريقة هادئة وحوارية أو تعزيز لسلوك موجود بالمدح والثناء وهو مختلف تماما عن العقوبة ، فالتأديب يعلم الطفل كيف يتصرف ويفكر ويتعامل مع أحداث الحياة ، والتأديب يكون بعدة وسائل منها أن يكون بالحوار وبالقصة وبالموعظة وبالأحداث .
وأما من حيث النتائج فكذلك بينهما فرق كبير فنتائج العقوبة علي الطفل سلبية جدا وخاصة إذا كثرت العقوبات عليه ، فيشعر الطفل بالخوف والرعب تجاه والديه بشكل دائم ، كما يجعله سلبيا ومتمردا ويضعف ثقته بنفسه وبقدراته ، ويشعر الطفل بالظلم في أكثر الأحيان ، لأن العقوبة تحدث من انفعال سريع فإما أن تكون أكبر من الخطأ الذي ارتكبه ، أو أنها نزلت عليه بسرعة دون التحقق من الذي فعل الخطأ ، وكثرة العقاب تجعل الطفل عديم الإحساس لأنه تعود على العقوبة ، وكما قيل (كثرة المساس تميت الإحساس) ، ولهذا نستمع الى شكاوى كثيرة من المربين بأنهم يعاقبون ولا يرون للعقاب أي فائدة ، لأن إحساس الطفل بالعقاب مات بسبب كثرة الصراخ والعصبية والضرب .
ونجاح التأديب متوقف على أمرين ، الأول : صبر وطول نفس عند الوالدين لأن المربي قد يحتاج للتكرار والمتابعة كثيرا ، والثاني : الحوار مع الطفل عند ارتكاب الخطأ حتى يفهم الطفل ما هو الخطأ ويقتنع به ، فعندما يرتكب الطفل خطأ نسأله هل تعلم أن ما فعلته خطأ أم لا ؟ فربما يكون الطفل ارتكب الخطأ وهو لا يعلم أنه خطأ ، فحينها يكون غضبنا وصراخنا عليه لا فائدة منه ، فالتأديب تأثيره ايجابي لانه يبنى شخصية الطفل ويقوي ثقته بنفسه ويجعله صادقا وصريحا في الحوار ، كما أنه يشجع الطفل علي التعلم .
وإذا أردنا أن نخطط لمعادلة تربوية صحية فنقول أن نصيب التأديب للأبناء ينبغي أن يكون بنسبة ثمانين بالمائة بينما العقوبة تكون بنسبة عشرين بالمائة ، وقد عشت قصصا كثيرة رأيت فيها نتائج سلبية للعقوبة المتهورة من الآباء للأبناء ، فأحد الأباء غضب على ابنه وأطفأ السيجارة في صدره عدة مرات ، وأم ضربت ابنتها ضربا مبرحا حتى أتلفت طبلة الأذن وصارت ابنتها لا تسمع ، وأخرى حبست طفلها بالسيارة وقت الظهيرة بالصيف حتى أغمي عليه ، فهذا كله (تعذيب وليس تأديب) .
ومن يتأمل أسلوب تأديب (يعقوب عليه السلام) مع أبنائه علي الرغم من كبر حجم الخطأ الذي ارتكبوه برمي أخيهم يوسف في البئر ، إلا أنه أشتغل على تأديبهم وليس تعذيبهم ، وقد ظهرت نتائج التأديب بعد سنوات عندما رجع لهم يوسف عليه السلام واعتذروا له من الخطأ الذي ارتكبوه فسامحهم يوسف على ما فعلوا وقال (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) ، فسياسة التأديب إذن تختلف عن العقوبة ، ولا بد أن نعطي الطفل أكثر من فرصة عند تأديبه حتى يغير سلوكه ويضبطه ، ولهذا نلاحظ توجيه النبي الكريم في غرس سلوك الحرص على الصلاة أنه عليه الصلاة والسلام وجهنا لأن نستمر في توجيه أبنائنا ثلاث سنوات ، نعلمهم وندربهم ونصبر عليهم ونحاورهم حتى يلتزموا بالصلاة ، فنبدأ معهم من سبع سنين وينتهى التأديب في عمر عشر سنين بتوجيههم للصلاة ، وهو ما نقصده في العملية التأديبية ، ثم إذا لم يتأدب بعد مضي ثلاثة سنوات والتدريب علي 5475 صلاة ، يحق لنا أن نعاقبه بالضرب الغير مبرح وبشروطه المعروفة كما قال عليه والسلام : (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع وأضربوهم عليها لعشر ) ، وهي المعادلة التربوية التي تحدثنا عنها في غرس القيم والسلوك (80-20) ،